الحوار الوطني … أو لعبة القراصنة للأستاذ رضا شهاب المكّي

 

  • Image
    إنه لمن الغباء أن يعتقد طرفا الحكم والمعارضة أن الشعب التونسي مقتنع أنهما توافقا من أجل تونس ومن أجل المصلحة الوطنية. الحقيقة الثابتة هي أن الشعب التونسي سئم التجاذبات بين مختلف أطراف الحكم والمعارضة واقتنع بما لا يدع مجالا للشك أن هذه التجاذبات لم ترتق يوما إلى مستوى الخلافات حول استحقاقات الثورة التونسية، بل أنها لم ولن تتعدى حدود الخصومات حول المواقع في الحكم وما يترتب عنها من تمتع بامتيازات الحكم وجبروت النفوذ.
    الحقيقة الثابتة أيضا أن « للحوار الوطني » عناوين معلنة في شكل مبادرات وخرائط للطريق ومدلولات مضمرة تبقى في طي السر والكتمان بين طرفي النزاع.
    ولأن كل منهما يعلم نوايا الطرف الآخر وما يضمره له، فإن الحل السحري الأوحد الوحيد الذي يتغنيان به لا يرتقي إلا إلى مستوى الاستهلاك اللفظي والانسياب والانفلات اللغويين إذ يكثر هذه الأيام الحديث عن المصطلحات والفواصل والنقاط والحروف المعقدة والمتشابهة والتي لا تزيد الوضع إلا اختناقا وضبابية.
    نمر الآن إلى التفاصيل محاولة منا لكشف المدولات المضمرة وحقيقة العناوين المعلنة، ولنبدأ بالمعارضة أو بموقف المعارضة المنضوية تحت مبادرة الرباعي الراعي وخريطة طريقه.
    ترى هذه المعارضة أن على حكومة الترويكا التي تقودها النهضة أن تستقيل في غضون ثلاثة أسابيع، يخصص الأسبوع الأول للتوافق حول الشخصية الوطنية المستقلة التي ستقود الحكومة ويخصص أسبوعان للتشكيل الحكومي تحت مسميات مختلفة (حياد، تكنوقراط، استقلالية، اللاتحزبية …)، وهذا في مدلوله الحقيقي والعملي يعني استقالة رئيس الحكومة أو تخليه عن منصبه وذلك منذ الأسبوع الأول من المدة الزمنية المخططة للتشكيل الحكومي الجديد، ويعني أيضا إسقاط الجزأ التنفيذي من القانون المؤقت لتنظيم السلطات العمومية توافقيا من دون الرجوع إلى السلطة الأصلية في شخص المجلس الوطني التأسيسي، و يعني أساسا خروج حزب حركة النهضة وأتباعه من الحكم، الأمر الذي سيفتح الباب على مصراعيه أمام أي مسمى لأي حكومة جديدة أن تمارس صلاحيات عادية متصلة بإعادة النظر في تسميات الولاء السياسية منها والإدارية، كما سيفتح الباب على مصراعيه لتسريع ما أطلق عليه بالعدالة الانتقالية التي ستشمل بالضرورة ملفات الفساد القديمة والجديدة، وسيترتب عن ذلك أيضا تقوية طرف (المعارضة الحالية) ومزيد إضعاف الطرف الآخر (الحكم المتخلي) ومزيد تقليص حظوظه في الاستحقاق الانتخابي المقبل. ولا نعتقد أن حزب حركة النهضة وأتباعه من الكنبرس سيقبلون بهذا الانهيار، لذا فإن دورهم في هذا « الحوار الوطني » هو تجنب هذه الكارثة.
    ولأن الدستور والقانون الانتخابي والهيئة المستقلة لم تعد من أولويات المعارضة مقارنة بالرهان الحكومي لذا نراها وعلى لسان الكثير من رموزها تقلل من شأن ما تبقى من الدستور وتدعو إلى توافق سريع داخل المجلس التأسيسي حول استكمال تركيبة اللجنة المستقلة للانتخابات وإيجاد حل لمعالجة آثار القرار الصادر عن المحكمة الإدارية بخصوص هذه اللجنة. أما القانون الانتخابي فهو محل توافق تام إذ تقتضي مصلحة الطرفين العودة إلى إعادة إحياء نظام الاقتراع النسبي بالقائمات لتسد بذلك الطريق أمام نظام الاقتراع على الأفراد. 
    ولتجنب الطرف الحاكم الكارثة المحدقة به، كان عليه وجوبا أن يرسم خطة للتفاوض تسوق للحوار والتوافق والوحدة الوطنية والمصلحة العليا وغيرها من الشعارات الرنانة حتى يستمر في السياق الاستهلاكي كطرف لا يروج للانعزال والتعنت والمكابرة بل كطرف مستعد لتقديم التنازلات من أجل مصلحة الوطن، وفعلا فقد بدأت ملامح خطته تتضح في معانيها المصرح بها ومدلولاتها المضمرة، أما ما تعلنه حركة النهضة فهو تزامن تخلي الحكومة أو استقالتها مع نهاية أشغال المجلس التأسيسي وفق ما ينص عليه القانون المؤقت لتنظيم السلطات العمومية والقاضي باستكمال المهام التأسيسية ومن أهمها صياغة دستور للدولة وانتخاب أعضاء اللجنة المستقلة للانتخابات وإصدار القانون الانتخابي وتحديد موعد صريح للانتخابات، ويبدو في ما أعلن أن الأولوية لدى هذا الحزب هو استكمال المسار التأسيسي واحترام الالتزامات المنبثقة عن انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2012 وليس إعادة النظر في طبيعة الحكومة وتركيبتها باعتبار ذلك إجراء يتزامن بالضرورة مع انتهاء المهام التأسيسية حتى لا يبقى للمجلس إلا دور مراقبة أعمال الحكومة وحينها لا يرى هذا الحزب مانعا في أن يعاد تركيب الحكومة على أساس الحياد والاستقلال عن الأحزاب. وأما المدلولات الحقيقية أي ما خفي في الخطاب فهو تمسكها بالحكومة واعتبارها الرهان الحقيقي بينها وبين المعارضة، ولأن أشغال المجلس عرفت بالتباطؤ والتلكؤ والتهريج والتوغل في التفاصيل والثرثرة علاوة على انعدام القدرة على تسيير الجلسات وضبط المواعيد وجداول الأعمال ونقاط النظام … فإن هذا المجلس بتركيبته وتوازناته الحالية يضمن للحزب الحاكم وأتباعه استمرار الأشغال وتجاوزها لكافة الآجال المعلنة مسبقا كما دأب على ذلك منذ تأسيسه ولا نعتقد أنه سيغير من عاداته بل أن من مصلحة القوى الفاعلة فيه أن تمطط أشغاله وتطيل عمره، وبذلك يبقى مشروع تجديد الحكومة مشروعا هلاميا وقد يتحول إلى مشروع تطعيم حكومي بوجوه جديدة على غرار ما وقع بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد.
    إذن يتفق الإثنان في حقيقة مدلول الخطاب على أن الحكومة الرهان الأساسي : معارضة تستهدف إسقاط حكومة النهضة ونهضة تتمسك بحكمها، هو صراع بين معارضة تجمع أنفاسها يداهمها الوقت وحكم مرتبك يلعب الوقت لفائدته، وإذا كان كل طرف منهما يعلم نوايا الطرف المقابل، فلماذا الدخول في حوار وطني ؟ ولماذا يحرص كل منهما أن يكون الحوار عنوانا للمرحلة ؟ ولماذا يتحمس الإعلاميون لهذا « الحوار » تحمسا شديدا ؟ ولماذا يقفون في حدود معانيه المعلنة ويتجنبون الولوج إلى مدلولاته الحقيقية والواقعية ؟
    لا شك أن الجميع على دراية تامة بأن هذا الحوار معطل بالضرورة فمطلب كل واحد منهما هو شرط نفي مطلب الآخر وعليه لا يجوز الحديث عن توافق إلا إذا تخلى أحد الطرفين عن معاني ومدلولات خطابه، وفي كل الأوجه لا ينبثق عن ذلك حل يستفيد منه الشعب التونسي.
    إذن من المستفيد من هذا « الحوار ؟ بالطبع الطرفان : يستفيد الحزب الحاكم وأتباعه من خلال استمرارهم في الحكم كقوة لا تروج للتعنت والمكابرة والانعزال والتفرد بالسلطة بل كقوة تسعى إلى إيهام الناس بتعلقها بالديمقراطية والوحدة الوطنية والمصلحة العامة، فتخفف بذلك من وطأة فشلها في الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية …، وكذلك تستفيد المعارضة من خلال تسويق لصورتها كمنقذ للبلاد بنية استثمارها للاستحقاقات الانتخابية القادمة. 
    خلاصة القول لا يمكن أن ينبثق عن هذا « الحوار الوطني » حل يستفيد منه الشعب التونسي إذا ما استقر الخلاف حول مغانم الحكم وامتيازاته ، وعليه يتوجب التفكير في صنع بدائل عن معاني ومدلولات هذا الحوار ترسم ملامح الاستحقاق الشعبي لثورة تونس عبر إيجاد تعبيرته السياسية المفقودة.
 Image

اليوم العالمي للمعلم..باي حال عدت ياعيد رضا شهاب المكّي

Image
  تقترن الاعياد عادة بالفرحة والتسامح وبكافة مظاهر الاحتفال كلما تعلق الامر بتخليد الذكريات الوطنية والدينية فتلبس القرى والمدن حلل الزينة وينتشر الاطفال في ساحات اللعب والمرح ويتجمع الكبار نساء ورجالا في ساحات الخطابة ومنابرها في دعوات التاصيل والاعتراف بالجميل وتخليد القيم الانسانية في الوحدة والتضامن بين افراد الشعب الواحد وبين شعوب الامة وبين الامم…. كما تقترن هذه الاعياد بالتوقف عند حال الامة وواقعها وما تنشده من رفع للتحديات واستعداد لتحقيق الرهانات… اما لدى العرب وبعض المسلمين فالامر مختلف, اذ اصبح العيد لديهم فرصا متكررة للتغني بالمكاسب ومناشدة الحكام الخلود في الحكم, كما اصبح المنبر الديني عندهم فضاءا للحكم على عقيدة الناس, وفضاءا للتفرقة والمنازعات الطائفية بل اصبح موعدا لتنفيذ الاعدامات والاغتيالات فهل يحق لهؤلاء الحديث عن العيد؟ وهل مازال للعيد معنى عندهم ماعدا الطبل والمزمار والمشانق؟ اما المعلم , هذا الانسان الفريد, هذا الانسان الخطير بحكم مهامه ووظائفه الانسانية الخالدة والتي جمعت بين العلم والاخلاق على مدى الدهر, هذا الانسان الذي يحول الانسان المادي في المجتمع الحقيقي الى كائن معنوي, الى عضو في الدولة, الى مواطن متحرر من قيود الانسان المادي, هذا الكائن المعنوي الذي يحرر الدولة من امتازيتها, وطائفيتها, وعنصريتها, وطبقيتها, ويجعل منها دولة الاكتمال السياسي وشرط التحرر الانساني للانسان. هذا الهرم, نراه يقبع الان فعليا في اسفل السلم الاجتماعي ويُنعت باقبح الالفاظ سخرية. انا اعجب من مجتمع يتغنى بجهله, ويسعد بسقوط اخلاقه. انا اعجب من دول العرب وبعض المسلمين حين تقيم الاعراس وتفسد المال في الماكل والمشرب, وحين تصنع البطاقات التي تشبع المعلم وتغدق عليه حلو الكلام ويانع الصفات اعترافا له بجليل الخدمات وتقديرا لصبره وكفاحه وشقائه اليومي. ولكن, وبمجرد انقضاء زمن الحفلة, يعود المسؤولون الى رشدهم فيبادرون باصدار التعليمات المهينة وتكثيف زيارات التربص المذلة وينتشر جمهور من التربصين بالمعلم في مختلف المدارس والمعاهد ومراكز التكوين  » هذا بناقوس يدق وذا بمأذنة يصيح………..كل يمجد دينه ليت شعري ما الصحيح.  » وكل إناء بما فيه يرشح »أنا اعجب من فئة تدعي الخبرة والعلم وما وراء العلم وما وراء العرش, تحمل اسفارا وتفرض اوهاما دونما علم بحقيقة المدرسة وحقيقة التعليم وحقيقة المعلمين ودونما تشريك للمعنيين بشؤون التربية والتعليم وعلى راسهم جمهور المعلمين, الفاعلين الحقيقيين. ان هذه الفئة الطفيلية لا تسعى فقط الى ارضاء اصحاب النعمة والمنة وتلميع صورهم, بل تتعب في الاجهاض على ما تبقى من المنظومة التربوية وما تبقى منها من صمود في وجه القيم المضادة, قيم النفع, والانانية الفردية,وجبروت سوق العمل وعنجهيته…انا اعجب من ناسك متعبد يجمع المال والنفوذ لنفسه ويرفع للمعلمين شعار العفة والزهد. ان شعبا يرى المعلم كما تراه الدول لدى العرب وبعض من مسلميها هو شعب بدون معلم واذا لم يكن للشعب معلم انتفى سبب العيد وشرطه لذا لا يجوز الاحتفال به بل الحاجة , كل الحاجة هي البحث في اسباب هذ الفقيد الجلل. فاذا ذهب المعلم ذهب معه العلم والاخلاق « انما الامم الاخلاق ما بقيت فان ذهبت اخلاقهم ذهبوا »….لا يُعيّر المعلم بثمن فكفوا عن النعم والمنن…لن انسى معلمي ولن انسى اني كنت معلما.