سيارة الإسعاف ومسارات الالتفاف -عبد المجيد بنقياس-

Image

أكّدت كلّ العلوم على اختلاف فروعها على أنّ مبدأ التناقض يلازم كل حركة،كما أثبت تاريخ الشعوب أنّ لكلّ ثورة نقيض.لدراسة الحراك الاجتماعي والسياسي بتونس لا بدّ للملاحظ والباحث أن يضع نصب أعينه هذا المعطى العلمي والحضاري.لهذا سنحاول أن نرصد أهمّ المنعطفات المعطّلة أو العمليات الالتفافية التي اعترضت مسار الحراك الاجتماعي والسياسي الذي انطلقت شرارته الأولى ذات يوم 17 ديسمبر 2010

 

باعتبار فجئية الأحداث التي جدّت بتونس اتبع كلّ فراد إحدى تفرّعات المسالك الثلاثة المتمثلة في المعارضة أو

المساندة أو المشاركة.من المسلك الاول هناك فئة اتبعت نهج التصدي الفعلي العنيف للحراك الاجتماعي بالانخراط صلب ميليشيات الحزب الحاكم وثانية أطلقت عنان اللسان والقلم للتنديد والتشهير والتشويه وثالثة متكونة من اتحاد الأعراف وبعض الأحزاب الكرتونية وأخرى تتدّعي الوسطية التي انتهجت سياسة النقد الليّن مع تقديم بعض الحلول الاجتماعية حتى يهدأ الحراك.في المسلك المساند هناك جلّ أفراد الفئات الاجتماعية المهمّشة بكلّ الجهات المنهوبة والأحياء الفقيرة وبعض الفئات المنتمية للطبقة الوسطى تحت لواء منظمات مهنية أو قطاعية أو حزبية تقدمية.أمّا مسلك المشاركة الفعلية فقد استحوذ عليه أغلب شباب جهات الوسط-الغربي قبل أن يلتحق بهم شباب جهات الجنوب-الغربي ثمّ صعودا من صفاقس الى العاصمة مرورا بالساحل التونسي وقد كان للاتحادات المحلية والجهوية دورا مهما للضغط على المركزية النقابية لاتحاد الشغل للتعجيل بالأحداث

 

ما إن تكاثرت الحشود المنادية بإسقاط السلطة وقبل الإعلان عن فرار رئيس الدولة حتى هبّت حشود الأحزاب والشخصيات والحكومات لتلتحق بطابور الانقاذ والاصلاح أولها تلك التي عمد البعض من خلالها التلاعب بالفصلين 56 و 57من دستور1959 لضمان استمرار هرم السلطة بين أيدي الحزب الحاكم مع فتح الباب أمام بعض الأحزاب المهرولة  لإنقاذ السلطة تحت دواعي »الواجب الوطني »للمحافظة على سير دواليب الدولة،كما بادرت بعض الشخصيات التكنوقراط المأمورة من الدول الغربية بعرض خدماتها لـ »تقديم العون ودعم مسار الاصلاح الديمقراطي »!عند هذا المنعطف تحرّكت قوى سياسيّة،باستثناء أصحابالحقائب الوزاريّة،من أجل اجهاض الحركة »الغنّوشية »مطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية بالتوازي مع المحاسبة لكلّ الأشخاصالذّين تثبت عليهم البيّنة في عمليّات أضرّت بالمِؤسّسات والأشخاص.في الأثناء،استقال البعض من الحزب الحاكم لإبعاد –

الشبهة وتنحّى البعض بتعلّة المصلحة العّامّة  >>> الحركة الالتفافية الأولى

 

أمام تواصل الحراك الاجتماعي والسياسي سقطت حكومتي »الغنوشي »مع بقاء بعض رموز حكومة »زعبع »في أعلى هرم السلطةأبرزها الرئيس المؤقت ليدير مسرحية مخرجوها قابعون وراء الستار،مع اسناد الدور الرئيسي لوزير أول مؤقت يجاهر بضرورة الحفاظ على هيبة الدولة لإنجاح »المسار الديمقراطي ».في الجانب الآخر من الرّكح جدّت بعض الأحزاب بالبحث على اتفاق أدّى بها إلى ولوج قبة »الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ».في خضم هذا الحراك وجدت وسائل الاعلام ورجال المال مادة تجميلية لدحضبعض ما التصق بها من أدران التطبيل والمناشدة.انتهى هذا  الفصل بالالتفاف حول »الهيئة العليا »لنسج شبكة قانونية وإجرائيةللانتخاب مجلس تأسيسي مع إقصاء قضائي للحزب الحاكم.في ذات الوقت،تهاطلت الرخص الممنوحة للأحزاب والجمعيات الوليدةالتي عملت على الفوز ببعض المقاعد داخل قبة المجلس التأسيسي مع دعم موازي لجمعيات أجنبية  تتدعي مسايرة »الاصلاحالديمقراطي بتونس »  >>> الحركة الالتفافية الثانية 

 

تواصل الحراك،لكن سرعة الالتفاف)1و2(كانت أقوى من أن تصدّ،نظرا لغياب العمق السياسي  والتنظيمي لهذا الحراك الاجتماعيمن جهة أولى،والقدرة الزّئبقية الفائقة للقوى المضادة التّي تمتلك من الأدوات المادية،والدّهاء،والدّعم الدّاخلي والخارجي من جهة ثانية.أّوّل الوسائل التي استعملت هي الدّعاية الاعلامية المغالطة،بحيث صُنّف المسار بكونه عفوي وسلمي،في حين يعرف القاصيوالداني حجم  الخسائر البشرية والمادية.فالإحصائيات والأحداث تؤكّد أنّ الحراك لم يكن سلميا إلا إذا اعتبر البعض أنّ دماءالشهداء والجرحى حبرا للمراسلات المخابرتية،وأنّ نهب وحرق المنشآت من قبيل التدريبات السرية.إنّ التأكيد على عفوية الحراك والتّركيز على سلمية الحراك غايته حشو الأذهان بأنّ التغيير السّلمي ممكن والتّحضير لطرح ثنائية المحاسبة والمصالحة لتبرئةذمّة ناهبي  البلاد وقاتلي الشباب.لهذا فتحت أبواب الوسائل الاعلامية على مصراعيها لدعاة من يتصوّرون أنفسهم أهلا لمهمّةالتّأطير مع إعفاء ظرفي لعناصر الحزب التّجمّعي ومواليهم من الأحزاب التّي اصطلح على تسميتها بالكرتونية.عند هذا المستوى من المنعطفات بدأت تتشكّل أمنية اليمين وتغيّر مسار اليسار.فالطّرف الأوّل عمل ويعمل على بعض الرّتوش السّياسي بتحالفأصبح مفضوحا بين بعض هذه الأحزاب وأشخاص عرف عنهم الفساد المالي والسّياسي إلى جانب البحث على بناء تحالفاتسياسية مع أحزاب وليدة للتّجّمع الدّستوري.أمّا عن الأحزاب التّي تنعت بالوسطية واليسارية فقد سايرت هذه الخيارات السياسيةبتعلّة المناورة والدّفاع عن أهداف الثّورة لمّا ارتأت ولوج القاعات والهيئات عوض التوجه الى الجهات والأحياء المنتفضة والانخراط بالمجالس الشعبية الجنينية.وقد وصل الصّلف ببعض هؤلاء الى حدّ التّنديد ببعض التّحرّكات التّي قام بها الشّباب والعمّالالمنادية ببعض المطالب الاجتماعية والملحّة على ضرورة محاسبة رموز الفساد الاداري والمالي

أمّا المنعطف الثّالث لعمليّة الالتفاف فيكمن في المهادنة والمسايرة المطلقة لحكومة السّبسي وقد ظهر ذلك من خلال التّوافق الكلّيبين الهيئة العليا والحكومة المؤقّتة على رزنامة المسار السّياسي المتمثّلة في الاعداد لانتخاب المجلس الوطني التّأسيسي من خلالجملة مراسيم توافقية،تخلّلتها بعض المشاحنات والمشادات السياسية والإعلامية سيّئة الاخراج ومفضوحة المقاصد.عند هذاالمنعطف تدخّلت أطراف أخرى لدعم قوّة الالتفاف اليمينية،أبرزها الأحزاب التّجمعيّة الأصل والمؤسّسة الأمنية وفيلق من الأفرادوالجمعيات « المستقلّة ».زيادة على هؤلاء رمى الاعلام بدلوه ليساند هذا أو ذاك وليحدث فتنة هناك أو هناك.لكنّ القاسم المشتركلكلّ هؤلاء يتمثّل في الوصول الى يوم الانتخاب الموعود والصّعود الى سدّة قبّة باردو لصياغة دستور البلاد >>>> الحركةالالتفافية الثالثة

 

لكن،بما أنّ الغاية هي سياسية بحتة والانتخابات وسيلتها والدّعاية رافدها،وفي ظلّ غياب البرامج وانعدام البدائل،أصبح دور المالالسياسي أساسي لتسويق القائمات والأفراد.هنا يكمن الوجه الرابع للالتفاف على مسار الحراك الاجتماعي.كلّ الأحزابالسياسية،مع بعض الاستثناءات،وبعض الجمعيات وكثير من القوائم المستقلّة لهثت وراء الدّعم المالي لشراء الأصواتوالذّمم.فأضحت العملية تجارية بالأساس،وتقاطعت المصلحة السياسية بالمصلحة المالية.عند هذا المفترق الرابع التقى »اليسار » بـ « اليمين »،وتشابكت المصالح وزاد النّفاق السّياسي لأنها أحزاب تسترشد بقاموس يصنف المواطن في خانة الأرقام(رقمانتخابي)والبرامج في خانة البضائع القابلة للبيع بالمزاد العلني أو خلسة في الجلسات السرّية.الأدهى وأمرّ،أنّ الأحزاب التّي كانتتلوم البهرجة والإسراف والإجراءات العنيفة خلال الحملات الانتخابية النوفمبرية،انخرطت في هكذا بهرجة وإسراف وهو ما يوحيبإمكانية تبرير كلّ التّصرّفات القمعيّة السّابقة وإمكانية انتهاجها مستقبلا.ً >>> الحركة الالتفافية الرابعة

 

 يمكن اختزال الفترة الممتدة بين 14 جانفي-23 أكتوبر بالمقولة المتداولة »ما أشبه اليوم بالبارحة »!وذلك عندما نقرأ ماكتبه)وول ديورانت(في موسوعته الشّهيرة)تاريخ الحضارة(عند وصفه للجوّ الانتخابي بروما في بداية عصرها: »أما العّامة فكانوايطلبون أن تتاح الفرصة لذوي المواهب والكفاءات،وأن تكون السّلطة كلّها في يد الجمعيات..وانتشرت وكالات لبيع الأصوات العامّةفي الانتخابات وارتفعت عملية ابتياع الأصوات حتّى تتطلّب درجة كبرى من التّخصّص..المشترون والوسطاء والحرّاس »

 

بعد انتخابات أكتوبر 2011 تزايد الحراك داخل كل فضاء،في ذهن الأفراد والجماعات،داخل البيوت ووسائل الإعلام،في الشوارعوالمؤسسات،لكن السّمة الرئيسية للحراك واضحة بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي باعتبار هموم الفئات.فالفئات المهمّشةوتلك العاملة في ظروف صعبة همّها اجتماعي بالأساس،وقد عبرت عن ذلك منذ انطلاق قطار الحراك الثوري في حركة سريعةوعفوية مشابهة لحركة كفّ اليد التي يكيلها الفرد لغريمه،رافعة شعار »ديقاج »و »واجب إسقاط النظام »وهو ما يعني كنس وتفكيكالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أدت إلى الوضع المزري الذي عرفته البلاد.في الجانب الآخر تحركت القوىالمضادة رافعة شعارات سياسية باحثة عن مساحة أفضل للحريات العامة والفردية،شعارات سياسية تتخللها بعض الفواصل منالمطالب الاجتماعية غايتها سوقية بحتة لربح أصوات الفئات المحرومة والمهمّشة.وقع عديد المواطنين(48%)في الفخ عندمجارات المسار المضاد،بعضهم عن حسن نية تحت تأثير إعلامي وسياسي مبرمج،والبعض الآخر وقع فريسة لخداع برامجالأحزاب والجمعيات المتنافسة.مرت سنتان دون أن يصل قراصنة باردو و قرطاج إلى البدء في إنجاز المهمات التي أوكلتلهم،وركزوا أنشطتهم على التمركز على كراسي لم يكونوا مهيئين للجلوس عليها.بعض البوادر توحي بمحاولات التخطيط الزئبقيلأجندة انتخابات قادمة،إن كتب لها أن تجرى،باتّباع استراتيجية هدفها التمركز في السلطة السياسية مع بعض الرتوشالدستوري،مبنية على قراءات ضيقة الآفاق ووعودا ملؤها النفاق وأنشطة السراق.ما يعوز هؤلاء يكمن في انعدام الإرادةالحقيقية لتغيير المنوال التنموي والسياسي وغياب الجرأة في النقد والنقد الذاتي لتصحيح المسار.كثرت المفاجئات،أولها نسبةالمقاطعة التي  فاقت الـ 50% مع فوز عريض لحركة »النهضة »و »العريضة الشعبية »بعدد هام من المقاعد قابلها هزيمة كاسحة للأحزاب الوسطية و »اليسارية ».كما شهدت البلاد منذ ذاك التاريخ عديد الانسحابات والتكتلات الحزبية تحضيرا للمراحل الانتخابية القادمة(بلدية،برلمانية وربما رئاسية)ولا زال الجدل قائما حول فصول الدستور المرتقب وحول مرامي التعيينات التي قامت بهاحكومة »الترويكا ».في ذات الزمن،تكاثرت حركات الاحتجاج ذات المطالب الاجتماعية الواضحة (الشغل للمعطلين،العلاج لجرحىالثورة،التعويض للمتضررين من الجوائح الطبيعية)والسياسية(محاسبة رموز الفساد،اقصاء التجمعيين من الحلبة السياسية(والمالية)عدم خلاص أو جدولة الديون الخارجية،استرداد الأموال المنهوبة،مصادر القروض المالية) والاقتصادية(دفع الاستثمار)والأمنية(محاسبة القناصة،حل شبكة البوليس السياسي).لكن جلّ هذه التحركات المطلبية جوبهت بالتنصل من الوعودوبالقمع والمقاضاة بل تجاوزت الأوضاع عديد الخطوط الحمراء بدءا بالاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية الممنهجة 

إلى جانب كل ما سبق ذكره،رمت بعض الأحزاب بدلوها في الحياة الجمعياتيّة قصد محاصرة بعضها(جمعية القضاة،جمعيةالصحافيين،جمعية النساء الديمقراطيات)واستقطاب البعض الآخر(جمعية المعطلين عن العمل،جمعية شهداء وجرحىالثورة)وتكوين جمعيات ذات الشأن التنموي والاجتماعي 

في الأثناء بدأت تتشكل حركة التفافية خامسة حيث انضم عديد الأشخاص والأحزاب والجمعيات التي ساهمت  في »العرس الإنتخابي »إلى صفوف الحراك الشعبي،في محاولة لركوب قطار الأحداث بهدف الوصول إلى مرحلة انتخابية ثانية منتظرة.فبعيد الاغتيالات السياسية تحركت بعض الجهات السياسية(الائتلاف الجمهوري،الجبهة الشعبية)في مسار اختاروا له من الأسماء:جبهة الانقاذ.بدأت هذه الأخيرة بمحاولة تحصين جماهيرية تمثلت في »اعتصام الرحيل »وانتهت بالجلوس حول طاولة »رباعي الدفع »للحيلولة دون انفلات الأمر والبحث عن توافق سياسي يضمن الظروف لـ »عرس انتخابي ثاني »سيتحول حتما الى اغتصاب دائم.>>>حركة التفافية خامسة)

Image 

لقد شهدت الساحة الوطنية حراك اجتماعي متواصل،برغم تواتر حدته في علاقة بزخم الاجراءات الحكومية،من  ناحيةأولى،وبالونات اعلامية وأمنية وسياسية لخلق ستار ضبابي يمنع رؤية الفضاء السياسي حرصا على نجاح  مسار الالتفاف،منناحية ثانية.لقد وصل الصّلف بالبعض الى كيل النّعوت السّيّئة للحراك الثوري،من قبيل »الثّورة  فوضى »و »الثّورة جمرة تحرق منقام بها »…الخ،وهو استهجان بالذين ضحّوا بدمائهم في سبيل انعتاق الجميع.أمّا الأغلبية التّي طال انتظارها،فقد عبّرت بطرقعدّة،لعلّ من أبرزها طرد المسؤولين الاداريين والأحزاب،وعدم الاقبال على التّسجيل بالقائمات الانتخابية،والعزوف عنالأحزاب…الخ.لازالت هذه القوى المهمّشة عصيّة على التّلاعب السّياسي وهي في انتظار كلّ من يبرمج ويخطّط لسدّ وصدّ المسارالثوري.بعض الأمل لا زال يراود القوى الحرّة في امكانية قيام بعض القوم،من أحزاب وأفراد،بعملية نقدية والرّجوع الى العمللمجاراة الحراك الذي رسمته في شعارات واضحة وجلية،من بينها شعار: »شغل،حرية،كرامة ».رغم الهزائم الكاسحة لم يقدم هؤلاء على تقديم نقد ذاتي موضوعي،مكتفين بنقد الآخرين وبذكر ندرة قنوات الاتصال مع الجماهير الشعبية.لم يفقه هؤلاء بعد،أن أولى الخطوات في اتجاه التأسيس لمجتمع أهلي تتمثل في تفكيك منظومة السّلط التقليدية،وكيفية تسيير المؤسسات الحكومية والخاصة،وصياغة تشاركية لإستراتيجية هادفة لاستغلال أمثل للثروات وحافظة للكرامة الوطنية وضامنة    لسيادة الشعب على ثرواته

 

عبد المجيد ينقياس م.ب في 05 نوفمبر 2013

توسيع نفوذ دائرة الإرادة الشعبيّة أو إعادة تمترس نفس النطام

يتطلّب تثوير نظام الحكم المجسد للحراك الاجتماعي التونسي القطع مع الأنظمة التقليديّة القائمة على تفريق السلط في المركز وعلى ثنائيّة التعارض بين الدولة والمجتمع وبين أغلبيّة تحكم وأقليّة تعارض طبق نظام سياسي مستند إلى تبادل الأدوار وتأبيد أوضاع التأزّم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومصالح اقتصادية تقودها طبقة سياسيّة تقليديّة تنفصل كلّ يوم عن إرادة شعوبها مقابل عروض فرجويّة تدور على ركح الحوارات ومنابر استطلاعات الرأي وغرف برلمانيّة تدّعي التمثيليّة وهي في قطيعة حقيقيّة مع ناخبيها.
وأمّا نظام الحكم النابع من جوهر الحراك الاجتماعي فيتطلّب التداخل والترابط بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ورقابي وإعلامي في عمل الهيئات على المستوى الوطني والجهوي والمحلّي والقطاعي المهني، الأمر الذي يسمح بتوسيع نفوذ دائرة الإرادة الشعبيّة ومشاركتها في إدارة الشأن العام ومراقبة مختلف السلط في هندسة بناء للهيئات العامة تنبثق من الأسفل للأعلى.
أنّ شرط تحقّق التنمية الاجتماعية الدائمة هو تموقع إرادة التونسيين والتونسيات وخاصّة منهم الفئات المحرومة في هيئات القرار الشعبي في المستويات المحليّة والجهويّة وانعكاس ذلك داخل سلطات القرار الوطني عبر تجسد حقيقي لإرادة الشعب التونسي عند اعلانه لثورة اجتماعية تقطع مع عهد بائد ومنوال تنموي فاشل باعتماد آليات سياسية تؤسّس لتحقيق إرادة شعبيّة تنطلق من نظام اقتراع يضمن حريّة فعليّة في الترشّح والانتخاب على أساس الأفراد في دائرات ضيقة لا على أساس غطرسة القائمات والمحاصصة الحزبيّة .
قوى تونس الحرّة غرّة ماي 2011

اللجان… اللجان…اللجان

 Image

البلايص شوية والطماعة ياسر..المجلس معبي وما يعمل في حتى شيء..الحكومة خارقة للعادة معبية بالشهايد..وزرة وكتاب..تبيع في الريح للمراكب وتغلي في الماء..مالصباح لليل مساكن ما يشوفوش ولادهم ونساو نساهم..ولاو يحبو تونس برك ومعاها جون كيري وزوز الكراهب متاعو.. جا باش يقلهم صحيتو لولاد وحتى النساء ما عندو فيهم ما يقول.. روح فرحان ومتهني ..هذا دوسي ارتاح منو.. طلع دوسي ساهل.. الجماعة الكل في تونس يحبو تونس ومتفاهمين ومتفقين على خاطر تونس. ولخرين الي ماهمش في الحكومة وما همش في المجلس وين باش يحطوهم ؟ تونس ولادة بلفكار تو نعملو برشة لجان نحطوهم فيها. هذاك علاش بدو يتضاربو علبلايص..سوق ودلال ومعارف وتدخلات وهذي لي وهذي ليك وكان قعد شي تو نعطوه للشعب يلهي بيه روحو. التراب اكثر ملحفرة بدا الضرب تحت الحزام..ثمة وحدة من هيومن متاع تونس جابوها للبلاتو باش تقلهم رهو جماعة حقوق الانسان مش الكل كيف كيف ثمة القديم نمبر وان مل الخارج يا بمبك عندو الحق قبل غيرو ملهالي موش معروفين وقتاش جاو باش ياخذو البلايص…حصيلو جابوها باش تقول خذوني انا وسيبو عليكم ملخرين..وانا نوعدكم الي دلس لنتخابات ولعب تحت الطاولة راهو بريء من كل تهمة تعرفوش علاش ؟ على خاطر التدليس ليس جريمة عند حقوق الانسان وإذ كان واحد بش يجرم الموضوع بقانون جديد نقولولو راهو القانون ما يرجعش التالي في المادة الجنائية ريتوها اش شدت مل القانون ؟ تفوه عل القانون متاعك.. ما تحشمش..لواه تحب تدخل للجنة ؟ باش تزيد تنظف ناس اخرين ؟ تهي اللجنة بيدها باش تبيع وتشري بالدوسيات متاع الناس.. ريتوش لجنة صلحت لحاجة في الثورة ؟ اللجان الكل طلعت تنظف في الوسخ متاع الفاسدين اعطيوني لجنة وحدة عملت حاجة للثورة خوذو ميات سنة تفكير متلقاو حتى لجنة تصلح …وتعرفوش قداش تتكلف كل لجنة؟ عد واحسب تعرفوش قداش يأخذ كل واح في اللجنة ؟ عد واحسب تعرفوش قداش يأخذ رئيس اللجنة؟ عد وما توريش الشعب يمرض بقلبو…كل اللجان اتبق في القانون ردو بالكم راهو مشو لعب القانون فوق الجميع وكل حاجة مش قانونية تسقط وتعرفوش اشنوة الي طلع مش قانوني؟ التهم الي توجهت للناس باتشوههم وهما نظاف يلمعو لمعان قا عدين يخرجو واحد واحد مرفوعي الراس يتوعدو في الشعب الي تهمهم بالباطل تاو تشوفو اش يعملولو بعد ما يعملو حزاب كبيرة ويدخلو في الدولة اما الي شاركو في الثورة والي مات منهم مات والي وتجرح تجرح والي قعد حي وميت بقلبو قاعدين يتفشخو مل البوليسية ويدخلو للحبوسات … اما بقية الشعب هاو قعد بغمتو … الحصيلة ان اللجان ومن معها بعد ما ثبتو مليح في القانون وخاصة قوانين حقوق الانسان اعلنو ان الثورة التونسية غير قانونية لذا وجب اسقاطها …شكرا للجان الهانة ورقود الجبانة.

ـــــــــــ رضا شهاب المكّي

دعوة لاعادة النظر في الخيارات التنظيمية والسياسية ــــــــــــ فلنبدأ التّفكير الآن

Image

ان الوضع في غاية الخطورة ومسؤولية الجميع مطلوبة فالثورة للغالبية الساحقة من الشعب وتنتظر الشعب وأصدقاء الشعب الذين يعيشون همومه ويتالمون لالامه لترميم ما تكسر واستعادة الاستحقاق الاجتماعي لثورة تونس قبل ان تستحوذ قلة قليلة من الفاسدين والمفسدين خدام الاستعمار ودوائره التكفيرية المتصهينة. ان هذه القلة تستحوذ الان على المال والاعمال والاعلام والسلاح وهي ماضية في مخططها ومصرة على تحقيق أهدافها خاصة عندما شعرت ان الثورات وثورة تونس بالتحديد قادرة على تجاوز الرؤى الانقلابية المبرمجة قبل الثورة وبعدها وقادرة على رسم استحقاقاتها الاجتماعية والسياسية خارج دوائر التحكم الدولية والإقليمية والمحلية التابعة والمهزومة. لقد شعرت هذه القلة القليلة بخطورة الثورة على مصالحها فاعلنت الحرب على الشعب التونسي بغاية تركيعه واذلاله وحركت العصابات التكفيرية المرتبطة عضويا بالمصالح الاستخباراتية التي أعدتها لهذه المهام كما اعدت في الوقت ذاته شعارات للمغالطة وخلط الأوراق مثل « الانتقال الديمقراطي » « مراحل الانتقال الديمقراطي » « السلطات المؤقتة » « التوافق » « رباعي الحوار » وغيرها من الشعارات الفضفاضة التي كانت بمثابة الطعم المعد لاستهواء الفريسة. وفعلا فقد سقط في الفخ كثير ممن قضوا سنوات العمر في النضال ضد القهر الاجتماعي والسياسي وها نحن نراهم يتخبطون في الشراك المنصوب بدقة. ان هذه القلة القليلة سعت وتسعى دوما الى توريط الاخرين في مشروعها وقد نجحت الى حد بعيد ساعدها في ذلك نفر من الطماعين الفاسدين النكرات في مجال التفكير والفعل السياسي. كلكم يعلم ان عددا كبيرا من بين هؤلاء الطماعين الفاسدين كان يسترزق من دوائر المخلوع. لا اضع من تورط في هذا المشروع الحقير من بين المناضلين الشرفاء في نفس الخانة بالتاكيد لا وانما ادعو الجميع الى مهلة من التفكير ومهلة من التقييم للنظر بجدية وصدق وشجاعة في ما حققه هذا المشروع الذي حيك خارج تونس ويكرر الان في كافة الثورات تحت نفس المسميات.مهلة التفكير والتقييم مفروضة على الجميع وهي تتطلب الاستعداد لاعادة النظر في الخيارات التنظيمية والسياسية واذا توفر هذان الشرطان نمر الى النظر في الخطوط الكبرى الجديدة ثم في التفاصيل التكتيكية المناسبة دون شروط مسبقة. فليكن حوار الشجعان لبنة نوعية في رسم خطوط التماس مع تلك القلة القليلة التي تحرك ابواق الدعاية السياسية والإعلامية كما تحرك مجموعات التكفير المتصهين.

ـــــــــــــ رضا شهاب المكّي 

 

Image

المرحلة الانتقالية الأخيرة

Image

هذا ما وعدت به الطبقة السياسية بمختلف الوانها عموم الشعب بعدما تغنت المعارضة بانتصارها التاريخي على الأقل عندما أعلنت انها حققت مكسبين وانتصارين تاريخيين على جماعة الحكم , أولهما كتابة دستور يكرس الدولة المدنية وثانيهما اجبار النهضة على الخروج من الحكم ووراؤها ازلامها الاوفياء اما النهضة وتوابعها فقد أعلنت في كل مرة انها تخرج من الحكم دون اكراه من احد ولا احد يملك القوة على الاكراه بل أفادت انها قدمت تنازلات لفائدة المصلحة العليا لتونس بحمايتها من عبث العابثين واما الدستور فانها أيضا اقامت الافراح والليالي الملاح احتفاء به كيف لا وقد اقر لتونس ولدولتها العربية لغة والجمهورية نظاما والإسلام دينا. الجميع سعيد بما حقق على حساب الاخر والبعض منهم ممن لا يتوقف على النفاق يقول ان هذه النتائج المذهلة تحققت بفضل الرقم السري العجيب الا وهو التوافق وسيكون التوافق شعار المرحلة القادمة أيضا من منهما نصدق؟…لا احد طبعا…

Image

لم ينتصر أي منهم على الأخر ولم ينهزم أي منهم بفعل الاخر لان شرط الانتصار او الهزيمة هو وجود المعركة والمعركة لم تنشا بينهم ابدا, فمنذ البداية اختار الجميع التوافق وبقطع النظر عن النقاشات الساخنة والمقاطعات المتكررة وغيرها من التجاذبات فالنتيجة التي من اجلها توافقوا قد تحققت: دستور يتغنى به الجميع وحكومة خارقة..بل هم يعدون الان لتاكيد التوافق في المرحلة القادمة « المرحلة الدائمة » واحسن مثال تمسكهم جميعا بنظام التصويت على القائمة وهو النظام الذي يضمن للأقوياء منهم توازنا في الحكم كما يضمن لبعض الصغار بينهم بعض الفتات الذي يثير شهوة هذا او ذاك عموما هم يعدون لاستعادة التجربة الفارطة كيف لا وقد خرج منها الجميع يغني على ليلاه. يؤسفني ان تتكرر المهازل وترجع وجوه النكبة من القدامى والجدد فانا لا اريد ذلك لتونس وهو امر يؤلمني حقا كما يؤلمني ان أرى بعضا من وجوه اليسار التونسي المناضل يتسكع هنا وهناك بين الفضائيات التي تضحك على ذقونهم وبين الأحزاب بحثا عن موقع شخصي يثير الشفقة..الكثير منهم يستجدي مكانا لدى بعض القوى الصاعدة وهو يعلم ان عليه دفع فاتورة الولاء والتهليل للقائد الأوحد المنقض الهمام وهذ القائد ليس الا قاذورة من عالم الماضي وفاسدا من العالم الحالي ومستبدا في عالم المستقبل. انا اخجل عندما أرى واسمع من هولاء حرصهم على « خدمة البلاد من أي موقع » قد لا نستغرب حين نرى او نسمع استعداد ما بقي من اليسار المنتظم للزج بنفسه في تحالفات لا تاريخية ولا نافعة بل تحالفات تدفع الى السقوط المدوى لما تبقى من جبهة النضال الشعبي والاستحقاق الاجتماعي للثورة . لقد حان الوقت بعد كل التجارب السياسية والتنظيمية لوقف نزيف القوى المناضلة الملتحمة مع هموم الشعب. لقد حان الوقت لان تبدا كل القوى المناضلة مرحلة جديدة يعيد فيها الجميع النظر في الخيارات السياسية والتنظيمية ويكف فيها الجميع عن تبادل التهم وكيل النعوت الجارحة قبل فوات الأوان. على الجميع التفكير في المرحلة القادمة والتي تبدا الان على انها مرحلة استعادة المسار الثوري المفقود عبر إعادة النظر في المسارات السياسية والتنظيمية التي الت جميعها تقريبا الى فشل ذريع فلا للياس نعم للصمود ولنبدا الان .