هناك نوع من الناس لا يولون أي اهتمام في وعيهم المعلن للمسائل السياسية لانهم يعتقدون ان المصالح المادية بين الدول والشعوب هي التي تحكم العلاقات الإنسانية والعلاقات الدولية وكل شيء خرج عن هذا الاطار لا يمكن اعتباره معيارا من معايير تشكل العلاقات بين الافراد والمجموعات والشعوب والدول. في الحقيقة لا يمكن مؤاخذة هذا الموقف في ذاته دون تسكينه في سياقه, كما لا يجوز تأييد هذا الموقف دون وضعه في اطاره؛ فاذا صدر هذا الموقف عن الانسان المادي, الانسان الحقيقي, عضو المجتمع البورجوازي الحقيقي, كان موقفا خاصا وشخصيا مثله مثل كافة المواقف الأخرى المتصلة بالكائن المادي أي بالإنسان الحقيقي الذي لا يرى في الاخر الا وسيلة لتحقيق اغراضه الخاصة ومنافعه المادية والمعنوية, كما لا يرى في الاخر الا وجودا مغايرا ومختلفا لذاته ووجوده الخاص. ومن المواقف المتماهية مع هذا الموقف الشخصي الفردي رؤية هذا الانسان المادي للوجود والالاه والعلم والمعرفة والعقيدة والذوق والخير والشر… وغيرها من المواقف الشخصية المتصلة بهذا الكائن المادي الكائن الحقيقي عضو المجتمع البورجوازي الحقيقي, وعلى هذا الأساس , وداخل هذا السياق, لا يمكن مؤاخذة هذا الموقف والاعتراض عليه بسبب « مخالفته » « للثوابت » و »السياسات العامة » المتوافق حولها لا بسبب وجاهته وحصانته من المؤاخذة وانما بسبب تناقض الموقف الخاص مع الموقف العام. فالموقف الخاص يبقى دوما موقفا خاصا لا يمكن مجابهته بالموقف العام طالما لا يشكل تهديدا فعليا ومباشرا لسلم الافراد والجماعات وللسلم الأهلي بصفة عامة اذ لا يمكن ان يتوحد جميع الناس, باعتبارهم كائنات فردية, حول موقف واحد طالما كان هذا الموقف تعبيرا عن موقف خاص معلن وصريح صادر عن الكائن المادي الكائن الحقيقي في المجتمع البورجوازي. وكل محاولة لفرض الموقف العام على الموقف الخاص وتكييفه بمقتضاه تعتبر تعديا عن الانسان ككائن مادي مستقل كما تعتبر الغاءا قسريا للفوارق الفردية والاختلافات الإنسانية التي يترتب عليها بالضرورة محاولة لإلغاء المجتمع البورجوازي نفسه. اما اذا صدر هذا الموقف عن المواطن , هذا الكائن العام هذا الكائن الخيالي العضو في الدولة او في احدى تفريعاتها او في احدى ووسائل النفاذ الشرعي الىها باعتبارها كائنا يحقق الصالح العام ويضمن تحقيق المصال المشتركة على قاعدة المصلحة العامة, فانه يصبح موقفا لا يجوز تأييده ليس لأنه موقف معتل في ذاته بل لأنه موقف متناقض مع طبيعة الكائن الذي صدر عنه؛ فاذا كان هذا الكائن كائنا معنويا أي عضوا في الدولة او عضو في احدى تفريعاتها او في احدى وسائل النفاذ اليها يكون بالضرورة كائنا سياسيا واذا كان كذلك, أي كائنا سياسيا, تكون المسائل السياسية جوهرا جديدا لوجوده إضافة الى كينونته الخاصة ككائن مادي مستقل وعلى هذا الساس لا يجوز تأييد هذا الموقف. بقي ان نعرف هل ان وزيرة السياحة السيدة امال كربول كائن مادي مستقل او كائن معنوي عضو في الدولة؟ فاذا كانت وزيرةً للسياحة, تكون بالضرورة كائنا معنويا عضو في الدولة أي كائنا سياسيا تعالج بالضرورة المسائل السياسية. وكل مسالة سياسية هي مسالة حكم وسلطة ولا يمكن تبريرها الا بمقتضيات سياسية أي مقتضيات من جنسها. ولا يحتمل هذا التبرير البحث عن المبررات المصلحية الفرعية (سياح, عملة صعبة, تشغيل ,أرباح…) ولان موضوع « التطبيع من عدمه » هو موضوع سياسي بامتياز لأنه موضوع دولة وحكم وشان عام, لا تجوز معالجته بمبررات اقتصادية. اما اذا تعلق الامر بالسيدة امال كربول , باعتبارها كائنا ماديا مستقلا عضو في المجتمع البورجوازي فيكون من حقها ان تترك المسائل السياسية جانبا وتتناول مسالة السياحة من زواياها الاقتصادية المصلحية ولكنها تكون مجبرة في نفس الوقت ان لا تتحدث من موقع الفضاء العام , فضاء الدولة أولا, ولا من موقع منصبها السياسي كوزيرة في الدولة ثانيا, ولا حول السياحة ثالثا. الوزيرة المحترمة تحدثت ككائن مستقل كائن فردي في المجتمع البورجوازي مثلها مثل المستثمرين في قطاع السياحة لكنها تحدثت في فضاء عام فضاء الدولة فضا ء الكائن السياسي الذي يسائلها في موضوع سياسي بامتياز. لقد اخطات العنوان وكتبت خارج النص قولا باهتا » لمواطن » فاقد للخبرة السياسية اللازمة في دارة الشأن العام. ان مثل هذا القصور المهني امر شائع بين الوزراء التكنوقراط الذين لم يتخلصوا من وجودهم الذاتي المادي المستقل في المجتمع البورجوازي عندما يديرون الشأن العام. اما الوزير المكلف بالأمن فقد تحدث طويلا لانه كرر كل جملة من جمله اكثر من مرة فصنع نصا ملؤه التكرار والتنصل من المسؤولية. اما النواب فقد واصلوا المهزلة وواصلوا الوفاء لمسرحية طال عمرها ومج الناس مشاهدها.