الاستحقاقات السياسية لهذه المرحلة _الاستاذ رضا شهاب المكي

Image

 
ما العمل أمام المشهد الدرامي الذي تعيشه الطبقة السياسية في تونس اليوم والغبن والمعاناة الاجتماعية التي يعيشها الشعب التونسي؟
كتبت بالأمس عن مفارقة التشابه حتى التماهي بين الحكم والمعارضة من ناحية وتواصل التصدع بينهما من ناحية ثانية. وحتى لا نكتفي بالتشخيص, كان لابد أن أدلي برأي حول الاستحقاقات السياسية لهذه المرحلة.
أولا : المبادئ التي يقوم عليها الاستحقاق السياسي للثورة التونسية.
1. إعادة تركيب مشهد الصراع السياسي الحقيقي 
المشهد الحالي هو مشهد زائف لأنه لا يرسم خطوط التماس بين الاستحقاق الثوري للمرحلة ومشاريع الثورة المضادة إذ استقر طرفا الحكم والمعارضة في خانة التجاذب المصلحي الضيق وأهمل كل منهما مطالب الشعب التونسي في الحكم والثروة, لذا يقتضي الوضع ضرورة الفصل النهائي بين مشروعي الثورة والثورة المضادة إذ لا يدعم الخيار اللبرالي الحالي إلا المشاريع المضادة للثورة من حيث أهدافه ووسائله وآليات تنفيذه, فلا مشروع الدستور المعطل ارتقى إلى استحقاق الشعب التونسي في الحكم إذ صيغ على مقاسات الطبقة السياسية الليبرالية وأعاد انتاج منظومة الحكم المركزي لتستبد فئة من السياسييين بالحكم استبدادا كاملا. فالدساتير لم تكن دوما ضمانة للحرية والحكم الشعبي وفي كثير من الأحوال كانت تؤسس لديكتاتورية الأقلية على الأغلبية ولا أرى المشروع الحالي إلا صورة من صور إعادة إنتاج الدكتاتورية السياسية رغم المساحيق الحقوقية لتجميل ما فيه من قبح ونفاق( الكل يتدافع لدسترة حقوقه الخاصة )ألم يحن الوقت لوقف هذه المهازل؟أما ما يسمى بالمجلس التأسيسي فقد انقلب على نفسه بفعل القانون المنظم للسلطات فأصبح مجلسا تشريعيا خالدا محكوما بموازين قوى داخله لا تسعى إلا لتأبيده وفرضه عل رقاب التونسيين علاوة عن الامتيازات التي تتقاضاها فئة من الطماعين غير المحترمين المرابطين حوله أو الساكنين داخله,وأما الحكومة, باعتبارها جهازا تنفيذيا, فقد أصبحت مسكونة بتثبيت أهلها وأبناء عمومتها في كافة مفاصل الدولة استعدادا لبسط نفوذها في مرحلة السلط الدائمة وطمس مسؤولياتها فيما يتعلق بالفساد المالي والاخلاقي, والجريمة المنظمة والتصفية الجسدية لخصومها بواسطةخلاياتُحرّك لتحقيق هذه الأغراض أو بواسطة قوى الإرهاب المرابطة على الحدود لتستفيد من نتائج وآثار وجودها ونشاطها والحكم على الشعب التونسي بملازم البيوت والقبول بالأمر الواقع. إن مسؤولية المعارضة في الوصول إلى هذا الوضع كاملة إذ توافقت منذالبداية مع الآخرين علىرسم ملامح الإنتقال ووسائله وآلياته وسوف لن يعفيها البكاء والصراخ من مسؤوليتها في تحقق المشهد الذي نعيشه الآن وتتأكد مسؤولية المعارضة بما تقترحه من حلول للخروج من « الأزمة السياسية الخطيرة » إذ لا استقالة الحكومة وتشكل حكومة أخرى يقدر على تحقق الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية للثورة إذ سيواجه « الوزراء المستقلون » إرثا ثقيلا هم أعجز الناس على فك شفراته وسيمر وقت طويل وربما وقت أطول مما سبقه دون الوصول إلى تغيير الواقع وذلك لسبب بسيط وهو فقدان الإرادة والوحدة السياسية الثورية التي لا يمكن ضمانها إلا عبر هيكل سياسي يمثل الإرادة الفعلية للشعب التونسي والموجه الحقيقي لسياسة الحكومة وهو هيكل غائب بل ومغيب في مشاريع الحكم والمعارضة معا فحكومة بدون إرادة سياسية وبرنامج سياسي مستمد من الشعب لا تقدر على الاصلاح ولا تقدر على توفير مناخ سليم لانتخابات نزيهة وشفافة. إن التعطل بين الحكم والمعارضة تعطل راجع لأسباب هيكلية تتصل بوحدة الطرفين في تشخيص الوضع وتصور الحلول رغم بعض التباينات الجزئية التي لا تفسر إلا باختلال التوازن بينهما(بين ضعيف متشنج يداهمه الوقت وقوي مرتبك يعمل الوقت لفائدته)
إن مشروعي الحكم لدى الحكم والمعارضة لا يمكن تصنيفهما إلا في خانة مشاريع الثورة المضادة وعلى الشعب التونسي وأصدقائه من الديمقراطيين والثوريين الحقيقيين أن يفرضوا مشروعا جديدا يرتقي إلى مستوى الصراع الحقيقي بين الثورة والثورة المضادة.(أعود إلى هذا الأمر لاحقا)
2. إعادة النظر في مدلولات المصطلحات المستعملة في الخطاب السياسي لدى الحكم والمعارضة
-يطلق مصطلح المجلس التأسيسي على السلطة التي تتمتع بالصلاحيات التأسيسية وهي أولا وأخيرا كتابة دستور للدولة في حين أصبح المصطلح يعني السلطة التي تتمتع بالصلاحيات التشريعية وأضيفت إليه لاحقا عبارة « سيد نفسه » وهذا يعني أن صلاحياته مطلقة وغير محددة (بالتونسي مجلس متاع باندية)
-يطلق مصطلح الحكومة في المرحلة التأسيسية على الهيئة التنفيذية التي تسهر (في النهار وفي الليل) على تسيير الأعمال العادية لمدة زمنية محددة ومحدودة وليس لها برنامج سياسي أو تنموي ملزمة به وخاضع لمراقبة السلطة التأسيسية, في حين تحولت إلى حكومة سياسية.
يطلق مصطلح الانتقال الديمقراطي المنبثق عن ثورة شعبية سلمية على بناء التعبيرة السياسية لاستحقاقات الشعب في الحكم ومنه تنبثق الهيئات التنفيذية(الحكومة) الموكل لها تنفيذ البرنامج السياسي والتنموي للثورة وهي بالضرورة مسؤولة أمام الهياكل التشريعية الشعبية, في حين تحول المصطلح في دلالاته العملية والقانونية إلى توصيف لمرحلة مستقلة بذاتها وهيئات وقتية( مجلس تأسيسي, حكومة, رئاسة دولةبرؤسائها الثلاث) تؤبد الحالة المؤقتة وتمارس الصلاحيات السياسية وتشتغل كأنها تعيش أبدا. وهكذا اتفق الحكم مع المعارضة علىمحاصرة الثورة والثوريين, وتحويل وجهتها,وتأبيد الأزمة وفرض الأمر الواقع. ولكن مالا تحسن الثورة المضادة قراءته رغم الاضطهاد والقتل والحبس والنفاق والكذب هو ما يقدر عليه فاعل أساسي في المشهد الثوري في تونس هو شعب فاجئ الجميع بثورة أولى عصفت برأس الحكم البائد إلى الأبد وهو ينذر الجميع ويمهلهم الوقت الذي يقدره الشعب نفسه بثورة ثانية أكثر صلابة وأكثر وضوحا في الرؤيا تعصف بكل الكيانات المصطنعة والفاشلة. ولئن تمكنت الثورة المضادة إلى الآن من خلط الأوراق والتعتيم على الحقائق وإطالة عمر الأزمة فإنهإ لاتقوى على منع بروز مشروع جديد قادر على صنع البديل وتأبين المشاريع والمبادرات ولو كانت من الرباعي أو الخماسي أو السداسي الراعي.

ثانيا :الخطوط العريضة للاستحقاق السياسي لثورة الشعب التونسي(تابع) أحوصل أولا ما عرضته في النصين الأولين: – توافق تام حول الخيار اللبيبرالي بين الحكم والمعارضة في أبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية – توافق تام بين الحكم والمعارضة حول خطاب  » الانتقال الديمقراطي » من حيث وسائله وأهدافه وآلياته وتمشياته وهي: مجلس تأسيسي اختاروا له النظام النسبي بالقائمات المغلقة إرساء « للشرعية » , حكومة تنبثق منه, رئاسات ثلاث يحكمها قانون منظم للسلطات المؤقتة, – توافق تام حول ما سيؤول إليه هذا الخيار: مجلس بدون تحديد المدة, مجلس له مهام تشريعية, مجلس يحسم أمره في كل القضايا بأغلبية الأصوات,إذن هو مجلس تشريعي له صلاحيات تأسيسية وبذلك يصبح مجلسا سياسيا تنبثق عنه حكومة سياسية وقد تبارى الجميع أثناء الحملة الانتخابية حول مشاريع سياسية ووعود انتخابية.عوض التباري حول مشاريع الدساتير..لماذا يصرخ بعضهم من المعارضة الآن منددين بخروج المجلس عن مهامه التأسيسية بعدما شاركوا في التأسيس لذلك؟ ولماذا ينادون بسقوط شرعية المجلس بعد 23 اكتوبر 2012 بعدما شاركوا جماعة الحكم في عدم ضبط المدة التأسيسية؟ أليس هذا هو النفاق بعينه؟ الجميع في الحكم والمعارضة شريك كامل المسؤولية في رسم الخيار وما سيؤول إليه وما آل إليه فعلا من مجلس منقلب على نفسه بفعل القانون المنظم للسلطات السيئ الذكر, مجلس مؤقت في حالة استمرار دائم, حكومة سياسية تفاخر » بإنجازاتها » معارضة تتهمها بالفشل على كافة الأصعدة…خلاصة القول : عندما يشترك إثنان في ارتكاب جريمة ويمثلان للمحاكمة فإما أن يعترفا بما اقترفاه من جرم وإما أن يقررا الإنكار وإما أن يرمي أحدهما بالجرم عل الطرف الآخر ولا أخال الحكم والمعارضة في قضية الحال من الصنف الأول من البشر. لذا سيعول الشعب التونسي على أدلته الدامغة وعلى وجدانه لإدانتهما معا. ملاحظة هامة : سيمثل طيف آخر من شهود الزور في المنابر والساحات والهيئات لينال جزاءه. أمُر الآن إلى عرض الخطوط العريضة للاستحقاق السياسي لثورة الشعب التونسي: – لم يكن خيار المجلس التأسيسي خيارا وجيها بل كان وبالصورة التي عليه الآن خيارا يؤسس للثورة المضادة وقد قاومت هذا الخيار مجموعات من المناضلين وفئات من الشعب التونسي وطيف كبير منه لم يخرج للتصويت يوم 23 اكتوبر 2011 (قرابة 48 بالمائة قاطعوا العملية الانتخابية.. ومع ذلك فرض الطيف الآخر, مستقويا بالمال والاعلام, هذه الأجندة على الشعب التونسي وراحت الهيئة العليا للانتخابات ورئيسها الموقر تكرز ببشارة العهد الجديد والاستثناء التونسي فدقت طبول المنابر وعلت أصوات المزامير مبشرة بميلاد طبقة سياسية جديدة تدعمها طبقة من إعلاميي العهدين. – وإذ يستحيل الآن العودة بعقارب الساعة إلى الوراء, فهذا لايعني بالضرورة استكمال المرحلة على قاعدة الأهداف والوسائل والتمشيات التي حددتها قوى الثورة المضادة بل بالإمكان تصحيح المسار وتخليص الشعب التونسي من جبروت الخيار الليبرالي بكشفه كخيار معاد للثورة وبعرض توجه جديد لا أنفرد بتصوره بل أشارك العديد من المناضلين والأصدقاء في بنائه. .1 يقر المجلس الوطني التأسيسي, بعد عودة المنسحبين منه, وفي جلسة علنية خارقة للعادة بفشله في إدارة المرحلة واعتزامه حل نفسه بنفسه مساهمة منه في الحل السياسي للأزمة. 2. وقبل ذلك, ينهي المجلس استكمال تركيبة اللجنة العليا لتباشر الاعداد للانتخابات. 3. يصدر المجلس قانونا انتخابيا جديدا يعتمد نظام الاقتراع على الأفراد في أضيق الدوائر لانتخاب المجالس الشعبية المحلية على مستوى المعتمديات (264معتمدية) ويتخذ التدابير اللازمة لتأمين مشاركة الشباب دون 30 سنة كما يؤمن مشاركة المعوقين في تركيبة المجالس الشعبية المحلية. 4.يصدر المجلس قانونا جديدا لتنظيم السلطات المؤقتة يضمن حياد الحكومة في تسييرها للاعمال ويعيد النظر في صلاحيات الرئاستين المؤقتتين بما يضمن التوازن بينهما. 5.يتخذ المجلس كافة الاجراءات المعلنة أعلاه في مدة أقصاها شهرا من تاريخ انعقاد الجلسة العامة الخارقة للعادة. 6. يتولى المجلس حل نفسه حال اتخاذه الاجراءات المعلنة ويوكل أمر الإعداد للانتخابات إلى اللجنة العليا التي تنهي مهامها في أجل أقصاه ستة أشهر من البدء في الإعداد للانتخابات. 7. تتولى حكومة تسيير الأعمال التي ترأسها شخصية مستقلة مساعدة اللجنة العليا للانتخابات باتخاذها اجراءات وقرارات تضمن بموجبها حياد الإدارات الجهوية والمحلية ومراقبة المال الفاسد. 8.تنبثق عن المجالس الشعبية المحلية مجالس شعبية جهوية ومجلس شعبي وطني يتركب من 264 عضوا يضاف إليها ممثلين عن المهاجرين التونسيين بالخارج (لا يتقاضى الأعضاء النواب في المحليات والجهات والمجلس الوطني الشعبي منحا سوى من كان منهم في حاجة إلى ذلك وتصرف للجميع مقادير من المال لاسترجاع المصاريف الناتجة عن أداء مهامهم النيابية…) 9. تنبثق من المجلس الوطني الشعبي لجنة تتولى تنقيح واستكمال المشروع الحالي للدستور. 10. تعتبر المجالس الشعبية المحلية والمجالس الشعبية الجهوية والمجلس الشعبي الوطني سلطا دائمة في الدولة على أن يستكمل الدستور بقية الهيئات الدائمة والعلاقة بينها ويرسم ملامح وأسس النظام السياسي الديمقراطي الشعبي. 11. تنبثق من المجلس الوطني الشعبي حكومة سياسية بصلاحيات كاملة. يهدف هذا التصور إلى رسم خطوط التماس بين الخيار الليبرالي المتعطل والمتأزم والخيار الشعبي الديمقراطي الضامن لسلطة الشعب على إدارة الشأن السياسي العام وصنع البديل التنموي العادل بين الأفراد والجهات والمتطلع لصون مناعة الوطن وقوة الدولة واستقلال قرارها. كما يهدف هذا التصور إلى المشاركة في إيجاد حل للأزم على قاعدة الحكم الشعبي بعيدا عن التجاذبات السياسية الفئوية الضيقة التي لا تنتج إلا مزيدا من التأزم لم يعد باستطاعة الشعب التونسي تحملها….مزيدا من التفاعل..لطفا.

.

Laisser un commentaire