« شرعية خالدة لا تتجدد وشرعية متجددة لا تُغير؟ « الأستاد رضا شهاب المكي


سبق وقلت أن ّلا خلافات جوهرية بين الحكم والمعارضة ومع ذلك يصلان الآن إلى التعطل التام. سؤال يفرض نفسه: لماذا يتماهيان حينا ويتشابهان أحيانا ويتعطلان دائما؟ وقبل ذلك ما أوجه التماهي والتشابه بينهما؟1. كلاهما ينتمي إلى التيار الليبرالي: الجميع يسوق لليبرالية في معناها الاقتصادي لذا لا يتخاصمان اطلاقا حول هذا الموضوع ويتجنبان الخوض فيه درءا لانفضاح الأمر بينهما. بعضهم يتموقع للدفاع عن اقتصاد السوق في وجهه الاحتكاري المتوحش وبعضهم لا يزال يعتقد في تجميل هذا النمط من الاقتصاد بإصلاحات » اشتراكية ديمقراطية « زال دورها وانتهت صلوحيتها ويمكن التأكد من ذلك بالاطلاع وفهم التداول الركحي على السلطة في أوروبا وامركا وغيرهما دون تغيير نمط التنمية أو تحسينه.الجميع كذلك يسوّق لليبرالية في معناها السياسي(الاحتكام إلى الصندوق والتداول على السلطة بعد استشارة الشعب مرة كل خمس سنوات…) إلا أن البعض منهم يسعى إلى استعمال الصندوق مرة واحدة لتحقيق شرعية خالدة ويكون بذلك ليراليا مزيفا أو منافقا في حين يكون الطرف الآخر ليبراليا لا يمثل الشعب عنده إلا رقما انتخابيا يجدد به شرعيته الخالدة. فهل هنالك فروق بين شرعية خالدة لا تتجدد وشرعية متجددة لا تُغير؟ لا أعتقد ذلك. وإذ كانت الخيارات « الاشتراكية الديمقراطية » لا تقدر على الإصلاح في ظل جبروت المال والاحتكارات والضعف اللا متناهي للدول الليبرالية الحالية فهي لا تعدو أن تكون إلا أوهاما وسرابا ونفاقا غايته تجديد الشرعية وواقعهاالإذلال والاستكانة لجبروت الرأسمالية المتوحشة وبذلك يتموقع كلاهما في خندق واحد. أما الليبرالية في معناها الاجتماعي فيختلفان حولها ظاهريا: بعضهم يدافع عن نمط اجتماعي ليبرالي تحت عناوين الحداثة والتحررالاجتماعي, والبعض الآخر يتمسك بحياة اجتماعية محافظة ويكونون بذلك ليبراليون في الدفاع عن السوق وعن التوحش والاحتكار ومحافظون اجتماعيا. وإذ اعتبرنا أن الموقف من نمط الحياة الاجتماعية هو بالضرورة موقف فردي وشخصي, لا يجوز إطلاقا وضعه في خانة الخلافات الموجب حسمها جماعيا أو اعتباره شرطا من شروط الهوية الجماعية. وإن الدفع بالأمر إلى هذا المنحى في سن القوانين الملزمة والدساتير يعني القبول بفكرة التدافع الاجتماعي بين التونسيين وتقسيمهم بي اسلاميين وعلمانيين وقد اشترك جميعهم في هذا النزال الخطير الذي لا يؤدي في النهاية إلا إلى فرض شمولية اجتماعية من هنا وهناك. وبذلك يكون ما بدا خلافا بينهما لا يعدوأن يكون إلا تماهيا لا باعتبار التمشي الذي يقوده وإنما باعتبار النتائج المتحققة ميدانيا. 2. كلاهما توافق على الخيار الليبرالي بتوافقه على نوعية التحول ووسائله (المجلس التأسيسي والقانون المنظم للسلطات..) وكلاهما يعلم أن القانون المنظم للسلطات هو انقلاب على المهام الموكلة لما يسمونه مجلسا تأسيسيا والواقع أنه ليس إلا مجلسا للتشريع والتمتع بالامتيازات وتمديد الآجال وتعويم القضايا واستفزاز مشاعر التونسيين. إلا أن هذا التوافق سرعان ما يتحول إلى تصدع لا بسبب الاختلاف في الرؤى والبرامج وإنما بسبب الخلاف حول المنابات في الثروة والنفوذ وطالما لم يحسم هذا الأمر بتحقيق توازن نسبي بينهم فسيستمر التصدع كما سيستمر شعور الشعب التونسي بالغبن والندم قبل أن يتحول إلى غضب جارف يأتي على قويهم وضعيفهم في الآن نفسه. 3. كلاهما يقر بوجود أزمة سياسية ولكنهما يختلفان في تقديرحجمها واثارها, فبين ضعيف متلهف وطامع لا يملك من السلطة إلا رائحتها ونافذ متغول مسكون بالخوف من الشعب ومن المحاسبة سيتمطط التجاذب ويزداد ليؤكد أن التماهي هو شرط إمكان التعطل. ولأن التوازن مختل بين الطرفين سيتواصل المكر والخداع من جهة والغوغاء والغباء من جهة ثانية. لكن في المشهد استثناء بين شيخ متغول نافذ في الحكم وشيخ صاعد مدعوم من الداخل والخارج ليكون شرط التوازن وشرط إمكان الاتفاقات لا بالنسبة للمرحلة التي نمر بها فقط وإنما وأساسا بالنسبة لمرحلة السلطات الدائمة, ويبقى الكمبارس من هنا وهناك يتحين الفرص للحصول على فتات الموائد. لهذا يبقى التماهي والتشابه بينهما شرطا لتصدع مستمر, ويبقى الخيار الشعبي القادم لا محالة الرادع الوحيد لكليهما.

Image

Laisser un commentaire